سابني مدينتي ..

ضحايا الأطماع البشرية أكثر بكثير من ضحايا الحرب العالمية الأولي والثانية ، والضمير الغائب قد جلب علينا المصائب والمصاعب أكثر بكثير مما جلبته علينا أشد الكوارث الطبيعية من أعاصير وزلازل وبراكين ،،،
ولعل الظروف الآن مواتيه لنتعلم من الماضي ونعي الدرس ؟ !
فالسبب الحقيقي وراء الحروب العالمية هو الطمع الاستعماري والرغبة البشرية في السيطرة وحب التملك ، ونحن نعلم جيدا ً كم عدد الضحايا من جراء تلك الحروب ، والضمير الغائب كان وراء أخطر كوارث الطرق ، وأيضا وصل الأمر إلي حد الغش والتلاعب بحياة المرضي والمصابين ، مرورا ً بدواء فاسد ، وأغذيه غير صالحة ، وماء ملوث ، وأبنية تتهاوي فوق رؤوس ساكنيها من شيوخ ونساء وأطفال رضع لا يملكون حتى مجرد الصراخ ،،،
سأبني مدينتي الخالدة ، ولن أتطرق هنا إلي المدينة الفاضلة التي تمناها ورسمها أفلاطون بنظره خيالية ، لأن مدينتي واقعية ويمكن لأي بشر التطبيق ، فمجرد وقفه صادقه مع النفس وعندها سيرتفع البنيان ،،،
سأهتم في مدينتي بأربعة محاور وركائز أساسيه وهي كالتالي :-
1 – الاهتمام بالعلم والتعليم ، ودعم مناهج البحث العلمي ، وبذلك تتقلص فرصة هجرة العقول للخارج حتى تتلاشي ، وفي محاولة جاده وهادفه بربط مناهج التعليم بالواقع الفعلي المعاش ، بحيث يكون المنهج التعليمي معاصرا ً لمشكلات المجتمع متفاعلا معه .
2 – زرع بذور الولاء والانتماء داخل النفوس لتتكامل منظومة حب الذات والوطن في بوتقة واحده ، والتحفيز المستمر علي القناعة ، ومراجعة الضمير المنسي غالبا ً في دهاليز صعوبات ومشاكل الحياة .
3 – الاهتمام بالصحة العامة ودعم كافة أشكال محاربة المرض والأوبئة ، وتوفير الأدوية اللازمة للمصابين والمعاقين والمسنين بدون مقابل ، وذلك في محاوله هادفة لتخفيف الآلام والإحساس بالآخر .
4 – ترسيخ قواعد الأمن والأمان حتى يستتب النظام القائم علي الاستقرار والطمأنينة ، دافعا ً الجميع نحو المشاركة المجتمعية الفعالة في النهوض بالمدينة المرتقبة .
إن تلك المحاور الأربعة السالفة الذكر هي الأساس الذي تقوم عليه أي مدينه حقيقية ، وتتوقف فترة صمودها وازدهارها علي مدي تطبيق تلك المحاور ، فالعلم وإحساس المواطنين بالولاء والانتماء لمجتمعاتهم وكأنهم جزء مصغر من النسيج الكلي للوطن مع توافر القناعة الداخلية الكامنة في النفوس ، والضمير المرشد الواعي ، والمشاركة الوجدانية والنفسية ( علي الأقل ) بآلام الآخرين ومحاولة التخفيف ورفع المعاناة عنهم ، وتطبيق نظام أمني عادل يكفل استقرار المواطنين ،،، كل ذلك بمثابة أعمده حقيقية كافية ليقوم عليها البنيان ( هذا من وجهة نظري علي الأقل )
واسمحوا لي أيها السادة أن أوضح تلك الحقيقة وهي أن المدينة القوية تتوقف علي تماسك أهلها وتفاعلهم الإيجابي كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه البعض ، ولا يهم هنا التعداد السكاني للمدينة ومساحتها وموقعها وأيضا مدي الرفاهية التي تتمتع بها ، إنما مدي التماسك والاستمرار عبر أحقاب الزمن ، والرسالة التي تدافع عنها وأيضا حسن الجوار .
نعم سنتعلم من الماضي ونعي الدرس ،،،
وسأبدأ بنفسي مخلصا ً في عملي ، وطائعاً لأسرتي رفيقا بهم ، ولعل ذلك يكون بمثابة اللبنة الأولي التي ستقوم عليها مدينتي ومدينتكم الخالدة